فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وزعم البوني وأضرابه أنها تعمر في أواخر القرن الثالث عشر وقد أخذوا ذلك من كلام الشيخ محي الدين قدس سره، وأنت تعلم أنه أشبه شيء بالهندية ولا يكاد بعد من اللغة العربية، وما ذكر من أن خراب العراق من الجوع يعم بغداد فإنها قاعدته.
وقال القاضي عياض في الشفاء: روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: «تبنى مدينة بين دجلة ودجيل وقطربل والصراة تنتقل إليها الخزائن يخسف بها» يعني بغداد وهذا صريح في أن هلاكها بالخسف لا بالجوع لكن ذكر المحدثون أن في سند الخبر مجهولًا، ثم الظاهر على هذا التفسير أن قوله تعالى: {أَوْ مُعَذّبُوهَا} إلخ مقيد بمثل ما قيد به المعطوف عليه فيكون كل من الإهلاك والتعذيب قبل يوم القيامة أي في الزمان القريب منه وقد شاع استعمال ذلك بهذا المعنى وستسمعه قريبًا إن شاء الله تعالى في الحديث وإنكاره مكابرة غير مسموعة وكأنه سبحانه بعد أن ذكر من شأن البعث والتوحيد ما ذكر ذكر بعض ما يكون قبل يوم البعث مما يدل على عظمته سبحانه وفيه تأييد لما ذكر قبله، وقد صح أنه بعد موت عيسى عليه السلام تجىء ريح باردة من قبل الشام فلا تبقى على وجه الأرض أحدًا في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته فيبقى شرار الناس وعليهم تقوم الساعة، وجاء في غير ما خبر ما يصيب الناس قبل قيامها من العذاب، فمن ذلك ما أخرجه الطبراني وابن عساكر عن حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنه لتقصدنكم نار هي اليوم خامدة في واد يقال له برهوت يغشى الناس فيها عذاب أليم تأكل الأنفس والأموال تدور الدنيا كلها في ثمانية أيام تطير طيران الريح والسحاب حرها بالليل أشد من حرها بالنهار ولها بين السماء والأرض دوي كدوي الرعد القاصف قيل: يا رسول الله أسليمة يومئذٍ على المؤمنين والمؤمنات؟ قال: وأين المؤمنون والمؤمنات الناس يومئذٍ شر من الحمر يتسافدون كما يتسافد البهائم وليس فيهم رجل يقول مه مه إلى غير ذلك من الأخبار، ولا يبعد بعد أن اعتبر العموم في القرية حمل الإهلاك والتعذيب على ما تضمنته تلك الأخبار من إماتة المؤمنين بالريح وتعذيب الباقين من شرار الناس بالنار المذكورة، وصح أنها تسوقهم إلى المحشر وورد أنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك وأنه تلقى الآفة على الظهر حتى لا تبقى ذات ظهر حتى أن الرجل ليعطي الحديقة المعجبة بالشارف ذات القتب ليفر عليها، وكون ذلك قبل يوم القيامة هو المعول عليه وقد اعتمده الحافظ ابن حجر وصوبه القاضي عياض وذهب إليه القرطبي والخطابي وجاء مصرحًا به في بعض الأحاديث، فقد أخرج الإمام أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما مرفوعًا ستخرج نار من حضرموت أو من بحر حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس الحديث ولا يبعد أن يعذبوا بغير ذلك أيضًا بل في الآثار ما يقتضيه {كَانَ ذَلِكَ} أي ما ذكر من الإهلاك والتعذيب {فِى الكتاب} أي في اللوح المحفوظ كما روي عن إبراهيم التيمي وغيره {مَسْطُورًا} مكتوبًا، وذكر غير واحد أنه ما من شيء إبين فيه بكيفياته وأسبابه الموجبة له ووقته المضروب له.
واستشكل العموم بأنه يقتضي عدم تناهي الإبعاد وقد قامت البراهين النقلية والعقلية على خلاف ذلك فلابد أن يقال بالتخصيص بأن يحمل الشيء على ما يتعلق بهذه النشأة أو نحو ذلك، وقال بعضهم بالعموم إلا أنه التزم كون البيان على نحو يجتمع مع التناهي فاللوح المحفوظ في بيانه جميع الأشياء الدنيوية والأخروية وما كان وما يكون نظير الجفر الجامع في بيانه لما يبينه، وقد رأيت أنا صحيفة للشيخ الأكبر قدس سره ادعى أنه يعلم منها ما يقع في أرض المحشر يوم القيامة وأخرى الجنة، وقبول هذه الدعاوى وردها مفوض إليك، وفسر بعضهم الكتاب بالقضاء السابق ففي الكلام تجوز لا يخفى.
هذا وذهب أبو مسلم إلى أن المراد ما من قرية من قرى الكفار واختاره المولى أبو السعود وجعل الآية بيانًا لتحتم حلول عذابه تعالى بمن لا يحذره إثر بيان أنه حقيق بالحذر وأن أساطين الخلق من الملائكة والنبيين عليهم السلام على حذر من ذلك، وذكر أن المعنى ما من قرية من قرى الكفار إلا نحن مخربوها البتة بالخسف بها أو بإهلاك أهلها بالمرة لما ارتكبوا من عظائم الموبقات المستوجبة لذلك أو معذبو أهلها عذابًا شديدًا لا يكتنه كنهه والمراد به ما يعم البلايا الدنيوية من القتل والسبي ونحوهما والعقوبات الأخروية مما لا يعلمه إلا الله تعالى حسبما يفصح عنه إطلاق التعذيب عما قيد به الإهلاك من قبلية يوم القيامة ولا يخص بالبلايا الدنيوية كيف وكثير من القرى العاتية العاصية قد أخرت عقوبتها إلى يوم القيامة، ثم أنه يحتمل أن يقال في وجه الربط على تقدير التشخيص: أنه سبحانه بعد أن أشار إلى أن الكفرة المخاطبين في بلاء وضر وأن آلهتهم لا يملكون كشف ذلك عنهم ولا تحويله أشار إلى أن مثل ذلك لابد وأن يصيب الكفرة ولا يملك أحد كشفه ولا تحويله عنهم، وهذا ظاهر بناءً على ما تقدم عن البعض في سبب النزول الذي بسببه فسر الضر بالقحط فتأمل.
وفي اختيار صيغة الفاعل في الموضعين وإن كانت بمعنى المستقبل من الدلالة على التحقق والتقرر ما فيه، والتقييد بيوم القيامة لأن الإهلاك يومئذٍ غير مختص بالقرى الكافرة ولا هو بطريق العقوبة وإنما هو لانقضاء عمر الدنيا، ثم قال: إن تعميم القرية لا يساعده السياق ولا السباق. اهـ. وفيه تأمل.
ومن الناس من رجحه على ما سبق بأن فيه حمل الإهلاك على ما يتبادر منه وهو ما يكون عن عقوبة ولا كذلك فيما سبق.
وأجيب بأن ذلك سهل فقد استعمل في مقام التخويف فيما لم يكن عن عقوبة كقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ}. اهـ.

.قال القاسمي:

{قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلًا}.
أي قل لهؤلاء المشركين، الذين يعبدون من دون الله من خلقه: ادعوا من زعمتموهم أربابًا وآلهة من دونه، عند ضر ينزل بكم، وانظروا هل يقدرون على دفع ذلك عنكم أو تحويله عنكم إلى غيركم، فتدعونهم آلهة، أي: فإنهم لا يقدرون على ذلك ولا يملكونه، وإنما يملكه ويقدر عليه خالقكم وخالقهم.
روى الطبري عن ابن عباس؛ أن الآية عني بها قوم مشركون، كانوا يعبدون المسيح وعزيرًا والملائكة. فأخبرهم الله تعالى أن هؤلاء عبيده يرجون رحمته ويخافون عذابه، ويتقربون إليه بالأعمال. ونظير هذه الآية في النهي عن أن يشرك به تعالى الملائكة والأنبياء، قوله سبحانه: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عِمْرَان: 79- 80]، وفي قوله تعالى: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} إشارة إلى أن العبادة لا تتم إلا بالرجاء والخوف. فبالرجاء تكثر الطاعات، وبالخوف تقل السيئات. وقوله تعالى: {مَحْذُورًا} أي: ينبغي أن يحذر منه ويخاف من حلوله. عياذًا بالله منه.
وقوله تعالى: {وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا}.
إخبار بأنه حتم وقضى؛ أنه ما من قرية يتمرد أهلها على نبيهم، إلا ويبيدهم، أو ينزل بهم من العذاب شديده. وذلك لذنوبهم وخطيئاتهم وعدم استجابتهم لنبيهم، كما قال تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [هود: 101]. وقال تعالى: {فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا} [الطلاق: 9] وقال تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ} [الطلاق: 8] الآيات. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56)}.
لم أر لهذه الآية تفسيرًا ينثلج له الصدر، والحيرة بادية على أقوال المفسرين في معناها وانتظام موقعها مع سابقها، ولا حاجة إلى استقراء كلماتهم.
ومرجعها إلى طريقتين في محمل {الذين زعمتم من دونه} إحداهما في تفسير الطبري وابن عطية عن ابن مسعود والحسن.
وثانيتهما في تفسير القرطبي والفخر غير معزوة لقائل.
والذي أرى في تفسيرها أن جملة {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه} إلى {تحويلًا} معترضة بين جملة {ولقد فضلنا بعض النبيئين} [الإسراء: 55] وجملة {أولئك الذين يدعون} [الإسراء: 57].
وذلك أنه لما جرى ذكر الأفضلين من الأنبياء في أثناء آية الرد على المشركين مقالتهم في اصطفاء محمد صلى الله عليه وسلم للرسالة واصطفاء أتباعه لولايته ودينه، وهي آية {وربك أعلم بمن في السماوات والأرض} [الإسراء: 55] إلى آخرها، جاءت المناسبة لرد مقالة أخرى من مقالاتهم الباطلة وهي اعتذارهم عن عبادة الأصنام بأنهم ما يعبدونهم إلا ليقربوهم إلى الله زلفى، فجعلوهم عبادًا مقربين ووسائل لهم إلى الله، فلما جرى ذكر المقربين حقًا انتُهزت مناسبة ذكرهم لتكون مخلصًا إلى إبطال ما ادعوه من وسيلة أصنامهم على عادة إرشاد القرآن من اغتنام مناسبات الموعظة، وذلك من أسلوب الخطباء.
فهذه الآية متصلة المعنى بآية {قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلًا} [الإسراء: 42].
فبعد أن أبطل أن يكون مع الله آلهة ببرهان العقل عاد إلى إبطال إلهيتهم المزعومة ببرهان الحسّ.
وهو مشاهدة أنها لا تغني عنهم كشف الضر.
فأصل ارتباط الكلام هكذا: ولقد فضلنا بعض النبيئين على بعض وآتينا داوود زبورا أولئك الذين يدعون يبتغون الآية.
فبمناسبة الثناء عليهم بابتهالهم إلى ربهم ذكر ضد ذلك من دعاء المشركين آلهتهم.
وقدم ذلك، على الكلام الذي أثار المناسبة، اهتمامًا بإبطال فعلهم ليكون إبطاله كالغرض المقصود ويكون ذكر مقابله كالاستدلال على ذلك الغرض.
ولعل هذه الآية نزلت في مدة إصابة القحط قريشًا بمكّة، وهي السبع السنون التي هي دعوة النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف» وتسلسل الجدال وأخذ بعضه بحُجز بعض حتى انتهى إلى هذه المناسبة.
والمِلْكُ بمعنى الاستطاعة والقدرة كما في قوله: {قل فمن يملك من الله شيئًا} [المائدة: 17]، وقوله: {قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرًا ولا نفعًا} في سورة [العقود: 76].
والمقصود من ذلك بيان البون بين الدعاء الحق والدعاء الباطل.
ومن نظائر هذا المعنى في القرآن قوله تعالى: {إن وَلِيّي الله الذي نزَّل الكتاب وهو يتولَّى الصالحين والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون} في سورة [الأعراف: 196 197].
والكشف: مستعار للإزالة.
والتحويل: نقل الشيء من مكان إلى مكان، أي لا يستطيعون إزالة الضر عن الجميع ولا إزالته عن واحد إلى غيره.
{أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}.
والإشارة بـ {أولئك الذين يدعون} إلى النبيئين لزيادة تمييزهم.
والمعنى: أولئك الذين إنْ دعوا يُستجَبْ لهم ويكشف عنهم الضر، وليسوا كالذين تدعونهم فلا يملكون كشف الضر عنكم بأنفسهم ولا بشفاعتهم عند الله كما رأيتم من أنهم لم يغنوا عنكم من الضر كشفًا ولا صرفًا.
وجملة {يبتغون} حال من ضمير {يدعون} أو بيان لجملة {يدعون}.
والوسيلة: المرتبة العالية القريبة من عظيم كالمَلك.
و{أيهم أقرب} يجوز أن يكون بدلًا من ضمير {يبتغون} بدل بعض، وتكون أي موصولة.
والمعنى: الذي هو أقرب من رضى الله يبتغي زيادة الوسيلة إليه، أي يزداد عملًا للازدياد من رضى الله عنه واصطفائه.
ويجوز أن يكون بدلًا من جملة {يبتغون إلى ربهم الوسيلة}، وأي استفهامية، أي يبتغون معرفة جواب: أيهم أقرب عند الله.
وأقرب: اسم تفضيل، ومتعلقه محذوف دل عليه السياق.
والتقدير: أيهم أقرب إلى ربهم.
وذكر خوف العذاب بعد رجاء الرحمة للإشارة إلى أنهم في موقف الأدب مع ربهم فلا يزيدهم القرب من رضاه إلا إجلالًا له وخوفًا من غضبه.
وهو تعريض بالمشركين الذين رَكبوا رؤوسهم وتوغلوا في الغرور فزعموا أن شركاءهم شفعاؤهم عند الله.
وجملة {إن عذاب ربك كان محذورًا} تذييل.
ومعنى {كان محذورا} أن حقيقته تقتضي حذر الموفقين إذ هو جدير بذلك.
{وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا}.
لما عرضَ بالتهديد للمشركين في قوله: {إن عذاب ربك كان محذورا} [الإسراء: 57]، وتحداهم بقوله: {قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم} [الإسراء: 56] جاء بصريح التهديد على مسمع منهم بأن كل قرية مثل قريتهم في الشرك لا يعدوها عذاب الاستيصال وهو يأتي على القرية وأهلها، أو عذاب الانتقام بالسيف والذل والأسر والخوف والجوع وهو يأتي على أهل القرية مثل صرعى بدر، كل ذلك في الدنيا.
فالمراد: القرى الكافرُ أهلُها لقوله تعالى: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} في سورة [هود: 117]، وقوله: {وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} في سورة [القصص: 59].
وحذف الصفة في مثل هذا معروف كقوله تعالى: {يأخذ كل سفينة غصبًا} [الكهف: 79] أي كل سفينة صالحة، بقرينة قوله: {فأردت أن أعيبها} [الكهف: 79].
وليس المقصود شمول ذلك القرى المؤمنة، على معنى أن لابد للقرى من زوال وفناء في سنة الله في هذا العالم، لأن ذلك معارض لآيات أخرى، ولأنه مناف لغرض تحذير المشركين من الاستمرار على الشرك.
فلو سلمنا أن هذا الحكم لا تنفلت منه قرية من القرى بحكم سنّة الله في مصير كل حادث إلى الفناء لما سلمنا أن في ذكر ذلك هنا فائدة.
والتقييد بكونه {قبل يوم القيامة} زيادة في الإنذار والوعيد، كقوله: {ولعذاب الآخرة أشد وأبقى} [طه: 127].
و{من} مزيدة بعد {إنْ} النافية لتأكيد استغراق مدخولها باعتبار الصفة المقدرة، أي جميع القرى الكافرة كيلا يحسب أهلُ مكة عدم شمولهم.
والكتاب: مستعار لعلم الله وسابق تقديره، فتعريفه للعهد؛ أو أريد به الكتب المنزلة على الأنبياء، فتعريفه للجنس فيشمل القرآن وغيره.
والمسطور: المكتوب، يقال: سطر الكتاب إذا كتبه سطورًا، قال تعالى: {والقلم وما يسطرون} [القلم: 1]. اهـ.